اشكالية الخيال : بين المنطق والجنون.


مشكلة الخيال أنه منطقي جداً، في أذهان المبدعين؛ بينما هو شيءٌ كالجنون في عقول العابرين.

في عالم الفكر والإبداع، يتجلى الخيال كأحد أعظم القوى الخفية التي يمتلكها بنو إنسان هو ذلك الفضاء أللا محدود الذي يسمح للعقل بأن يحلق بعيداً عن حدود الواقع الضيقة، ليبتكر عوالم جديدة وأفكاراً غير مألوفة؛ ولكن مع ذلك الخيال ليس مفهوماً بسيطاً أو مفهوماً للجميع بذات النمطية والطريقة لهذا بدأت المقال بمقولة قد كتبتها منذ زمن "مشكلة الخيال أنه منطقي جداً، في أذهان المبدعين؛ بينما هو شيءٌ كالجنون في عقول العابرين."

هذه الكمات تنطوي على تناقض ظاهري، لكنها تحمل في طياتها حقيقة عميقة للمعنى حول طبيعة الخيال وطريقة تلقيه من قبل مختلف العقول .
الخيال في أذهان المبدعين: له منطق خاص..!

عندما نتمعن بالخيال من منظور الإبداع، نجد أن المبدعين يرون فيه منطقاً خاصاً، بذهنية تتجاوز قواعد الواقع ولكنه لا يخلو من عصف داخلي، فالعقل المبدع يستطيع أن يبني عوالم خيالية متكاملة، ترتبط فيها الأفكار بطريقة تجعلها تبدو منطقية ومتماسكة بالنسبة لصاحبها.. على سبيل المثال، تأمل في أعمال السعودي عبدالناصر غارم "الرسالة" و"المكعب والإنسان" في أعمال الكويتي سامي محمد، حيث تم بناء عوالم خيالية ذات قوانين وأعراف خاصة بذهنية أولئك المبدعون، هذه العوالم رغم أنها لا تتطابق مع الواقع الذي نعرفه، إلا أنها تتبع منطقاً داخلياً صارماً لا يمكن تجاهله.

المبدع يرى الخيال كأداة ضرورية لتجاوز القيود والحدود بالنسبة له أو مقص الرقيب في كثير من الأحيان.. الخيال بالنسبة لهم ليس هروباً من الواقع بل وسيلة لفهمه بشكل أعمق أو لإعادة تشكيله، إنه البوابة إلى أفكار لم يكن بالإمكان الوصول إليها إلا من خلال كسر الحواجز التقليدية؛ لكن على الجانب الآخر، نجد أن الخيال قد يبدو جنوناً مطلقاً "في عقول العابرين"؛ أولئك الذين يمرون مرور الكرام في الحياة دون رغبة أو قدرة على استيعاب عمقه بالنسبة لهم، الخيال هو شيء غير مفهوم، غير مألوف، وربما مخيف هم يرون في الأفكار الخيالية نوعاً من الفوضى، وانفصالاً عن الواقع الملموس الذي تربوا عليه، وبالتالي يُنظر إلى الخيال على أنه شيء غير واقعي أو حتى غير عقلاني إلى حد بعيد.

لذلك قد يواجه المبدعون صعوبة في جعل الآخرين يفهمون رؤاهم وأفكارهم، فالعقول التي لا تعتاد على التفكير خارج الصندوق قد تجد في الأفكار الخيالية تهديداً للمنطق الذي تعودت عليه؛ إنهم يرون في الخيال نوعاً من "الجنون"، لأنه ببساطة لا يتوافق مع ذهنيتهم والقواعد والمعايير التي وُضعت في عالمهم الواقعي.

فلُب الإشكالية في التناقض بين الخيال كمنطق في أذهان المبدعين وكجنونه في أعين العابرين يبرز حقيقة أساسية هنا الخيال رغم كونه غير ملموس، إلا أنه يتطلب نوعاً من الشجاعة العقلية والانفتاح على فضاء المجهول.. المبدعون هم أولئك الذين يستطيعون رؤية النظام في الفوضى، ويدركون أن الجنون الظاهري للخيال هو مجرد مرحلة من مراحل الابتكار.

الخيال هو المنارة التي تقود البشرية نحو التقدم. بدون الخيال، لم يكن بالإمكان اختراع الطائرة أو الوصول إلى الفضاء أو تجسيد الأعمال الفنية أوحتى كتابة الحبكة بالرواية والتقاط الصور بمعاني الشعر كل تلك الإنجازات الإنسانية العظيمة بدأت كفكرة خيالية، بدت في وقتها جنونية، لكنها كانت منطقية تمامًا في عقول من ابتكروها.
الشاهد هنا :ما يبدو اليوم جنوناً قد يصبح غداً حقيقة؛ وما يبدو اليوم مستحيلاً قد يصبح يوماً ما واقعاً نحياه.
السؤال هنا : إذا كان السفر عبر الزمن شيء من الجنون هل هو حقيقة في عقول الفيزيائيون المبدعون..🚶🏻
🖋️جلال الطالب

الرسالة عبدالناصر غارم 

سامي محمد

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العيون بالتشكيل السعودي: نوافذ على الروح والهوية.

تجليات التفاهة في مرايا العظمة المكسورة