النقاد التقليديون وفناني ما بعد الحداثة

يعاني الفن التشكيلي العربي، وليس فقط السعودي، من مشكلة تتمثل في الخلط بين العمل الفني والفنانـ/ـة؛ حيث يُصدر بعض المنتمين للنقد أحكامهم على الأعمال الفنية استنادًا إلى مظهر الفنانـ/ـة أو مواقفه الشخصية، هذه المشكلة باتت أكثر وضوحًا مع ظهور فناني ما بعد الحداثة، الذين قدموا أعمالًا تجاوزت فهم النقاد التقليديين إن جاز لنا وصفهم وعامة الناس الذين يرتكزون على رغباتهم، مما أدى إلى مواجهتهم بالرفض أو بالتقليل من شأنهم أي فناني ما بعد الحداثة حتى لو قدموا أعمالًا مستوحاة من القرآن الكريم، فإنها تُرفض بسبب الأحكام المسبقة على الفنانـ/ـة نفسه، وهذا يُعد ظلمًا للعمل الفني قبل أن يكون ظلماً للفنانـ/ـة.

سأقوم بتحليل هذه المشكلة وأسبابها؛ فالمشكلة تكمن في نظرة الجمهور السطحية التي هي بمثابة مرجعية لأولئك النقاد، حيث يُقيّم الجمال بناءً على منطق إما أبيض أو أسود أي أن يكون العمل الفني جميل أو قبيح من منظور كلاسيكي، وهذا النقص في المفهوم البصري يتراكم مع الفرد منذ الطفولة، ويتعزز بمرور الوقت، مما أدى إلى الخلط بين الفنانـ/ـة والعمل الفني، لذا لا ينبغي أن يكون مستغربًا أن يجد المتلقي صعوبة في تقبل فناني ما بعد الحداثة الذين يُقدّرون الفكرة قبل الجمال التقليدي فالمتلقي في الغالب تعود معاييره الفنية إلى أولئك النقاد.

علماً أن فنانو ما بعد الحداثة يتبنون نهجاً غير تقليدي يُعطي الأولوية للفلسفة على الواقع، مما يأخذ المهتمين بالفن التشكيلي وأنا واحدٍ منهم، إلى عوالم تمزج بين الحلم والواقع والخيال؛ بالنسبة لهم العمل الفني ليست مجرد تجسيد للواقع بأدق التفاصيل، بل هو تعبير عن أفكار ورؤى تعكس ثقافة الفنانـ/ـة وتفسيره للواقع.

وهكذا تتسع الفجوة بين النقاد التقليديين وفناني ما بعد الحداثة، حيث ينظر أولئك النقاد إلى الحركة الفنية من مفهوم سطحي، يكون عدم الفهم يؤدي إلى الاقصاء وفي الغالب يُهيمن على نقدهم إما المجاملة أو العدائية ويفتقرون إلى تجديد أدواتهم النقدية لمواكبة التطورات الفنية، ليكون الخلط بين الفنانـ/ـة والعمل الفني ديدنهم، ويُصدر الأحكام بناءً على الشكل الفنانـ/ـة  أو الجنس بدلاً من الجودة الفنية والمعايير الفكرية للعمل الفني، وهذا الوضع يبدو لي لم يقتصر على أولئك النقاد التقليديون في الحراك التشكيلي، بل يمتد أيضاً إلى بعض نقاد أدب الرواية الذين يخلطون بين بطل الرواية وحياة المؤلف..🚶🏻

🖋️جلال الطالب


عمل مفاهيمي “ تكبيل نغم”


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العيون بالتشكيل السعودي: نوافذ على الروح والهوية.

اشكالية الخيال : بين المنطق والجنون.

تجليات التفاهة في مرايا العظمة المكسورة