هيمنة الخط العربي
تنقسم الفنون الإسلامية إلى عدة مدارس، منها مجازاً وليس حصرًا: فن الخط العربي وفن المنمنمات وفن الأرابيسك وفن النسيج وفن الخزف تعتمد هذه المدارس بشكل رئيسي على الجماليات ذات البُعد الثنائي والمسطح، وتخضع لقيم ومقاييس وقواعد فنية محددة وهذا يسهل على النقاد تقييم هذه الفنون ومنح الفنانين حقهم استناداً إلى اللوائح والقيم الفنية التي تحكم كل مدرسة من المدارس الإسلامية.
من اعمال الفنان صالح العمري
ومع ذلك، ما أود أن أشير إليه بعد هذه المقدمة هو أن إحدى تلك المدارس قد هيمنت، بطريقة أو بأخرى، على الفنون الإسلامية، مما أدى إلى التهميش والتقوقع للمدارس الأخرى أمام سيطرة وهيمنة الخط العربي قبل أن نهيم بمسببات هذا التهميش بشكل مفصل، يجب أن نأخذ فكرة مبسطة عن كل مدرسة من هذه المدارس.
على سبيل المثال، فن الأرابيسك يتميز بالخطوط المعقدة التي تشكل البراعم والأزهار وتتفرع بلا نهاية، وتتطور لتشمل الأواني والأوراق والزهور وأشكال تشبه الطيور بيد أن هذا الفن لا يخضع لقواعد غير قاعدة التفرع الأبدية،( ألا متناهٍ ) ويبدو بلا بداية وبلا نهاية، ولا يوجد له نقطة مركزية وقد جسد بالمباني وقطع الأثاث.
نقش رخامي من الأرابيسك للموانئ وأشجار النخيل في الجامع الأموي في دمشق
بالنسبة لفن النسيج، فإنه يعود أصلاً إلى فن غير إسلامي، ولكنه تطور في العالم الإسلامي بما فيه الكفاية حتى تفوق التلاميذ معلميهم في صنعه تميز النسيج الإسلامي عن غيره بإدخال الحروف العربية وتفرعات الأرابيسك واشتهر النسيج المصري بالاستخدام الفاخر للكتان والحرير، مما أعطاه قيمة فنية جميلة وجودة عالية.
أما فن الخزف، فإنه أيضاً ليس فناً إسلامياً أصلاً، ولكنه تم توريثه من الحضارات قبل الإسلام وقد تميز به أبناء حضارة الأنباط العرب القدماء أكثر من غيرهم، واحتل مكانة عالية لدى الفنانين في فترات وحقب الإسلام وقد تم تطويره ومنافسة الخزف الصيني الشهير عالمياً ولا يختلف فن الخزف عن الفنون الإسلامية الأخرى في إدخال الحروف العربية والتصاميم المستوحاة من الأرابيسك والتوريق واشتهر الخزف في بلاد العراق والشام والمغرب، وكان الخزف الأندلسي في إسبانيا منافساً للخزف الفاطمي في مصر في ذلك الوقت، إذ بلغ فن الخزف مستوى عالٍ من الاتقان.
ونعود إلى محورنا وهو هيمنة الخط العربي على الفنون الإسلامية يبدو لي أن هناك عدة أسباب أحدها هو أن الحرف العربي أصبح عنصراً أساسياً في جميع الفنون الإسلامية، وكان يحظى بدور البطولة في الأعمال الفنية الإسلامية والسبب الآخر هو تجاهل المؤسسات ذات الشأن الفني للفنون الإسلامية في أنشطتهم واهتمامهم أقتصر على فن الخط العربي فقط، مما أدى إلى تجاهل وتهميش الفنون الإسلامية الأخرى ولا يمكننا أن نغفل عن الأثر الذي أفرزته التكنولوجيا والإنتاج الواسع لأنماط الخطوط المتعددة وسهولة طباعتها، بالإضافة إلى نقص الأدوات والمواد لتلك الفنون الإسلامية في معامل التربية الفنية، مما أدى إلى تراجع الوعي الثقافي بالفنون الإسلامية لدى الأجيال والمجتمع بشكل عام.
🖋️جلال الطالب
تعليقات
إرسال تعليق
اهلا بك